كتب منتصر مرعي يوم 28 سبتمبر 2011
عندما تخرج من محطة قطار الأنفاق في وقت متأخر في لندن، تخرج من عالم إلى عالم، “إلغين أفينيو” شارع وديع يكاد يخلوا من المارة، ومحلات مقفلة إلا أنها لم تسدل ستارا من حديد، ولا أجمل لشخص مثلي من مراقبة المتاجر من خلف الزجاج وهي مقفلة في المساء! مقهى “روماز” الصغير الحميم، الكراسي مقلوبة على الطاولات، وأتذكر طاولتي التي شربت عليها آخر فنجان من شاي الياسمين عصر اليوم. وعلى الناصية الأخرى متجر بضاعته التاريخ، ويبيع الذكريات.. إنه “فايل” للتحف والمقتنيات القديمة.. أشعر أنها تصحو عندما ينام الناس، وتتألق في المساء العتيق كما كانت، ولكل منها ذكريات صاحبها الأول الذي تخلى عنها طوعا أو كرها.
لا يكدر صفو الشارع إلا بعض السيارات.. وصوت معدتي! لقد شربت اليوم -ربما- خمس فناجين قهوة لأنني قرأت دراسة في الصباح تقول إن نسبة الاكتئاب أقل بـ 15% لمن يشربون 3 فناجين قهوة على الأقل يوما.. وبعد توعك معدتي رجعت مرة أخرى للدراسة في المساء فوجدت أن ذلك ينطبق على النساء فقط!
فقه القهوة
فنجان قهوة تركية، وآخر “أمريكان كوفي” و"اسبريسو"! كلما دخلت مقهى في موعد أو عمل سألت ماذا لديكم من القهوة؟ فيردون بقائمة طويلة، أتظاهر بالاهتمام بها رغم أني لا أحب القهوة ولست خبيرا بها على الإطلاق. ولكن اختلاق الحديث وادعاء المعرفة بأنواع القهوة ضروري لاكتمال المشهد من جهة، ومحاولة معرفة سر هذا المشروب الذي يعدل المزاج من جهة أخرى. وللأمانة، أمران لم أدركهما بعد في القهوة: اعتدال المزاج فضلا عن طعمها المر! وحالة الانتباه التي لم تعتريني مرة واحدة في حياتي بسبب القهوة، بل إن قدرتي على النوم مباشرة بعد كل هذه الفناجين كانت عجيبة! ولعل عقدة سخرية أصحابي من جهلي بسر القهوة حملتني على التكرار مرارا ومرارا.. يا لفقه القهوة!
سعاد حسني
ها أنا أنعطف من شارع.. إلى شارع “ميدا فايل"، أسير وقد فرشت لي الأضواء على جانبي الطريق بساطا ذهبيا، أسير فيه ولا أريد أن ينتهي أو أن أصل إلى حيث أريد: الشقة التي أقيم فيها..
بالمناسبة، وللصدفة العجيبة فإن الشقة التي أقيم فيها مؤقتا هي لصديق عزيز وأحمق في نفس الوقت! واكتشفت أن الممثلة المصرية سعاد حسني كانت تقيم في شقة مقابلة في نفس العمارة الطويلة. أستطيع من النافذة أن أرى الشرفة التي سقطت منها رحمها الله..
قيل عن سعاد حسني الكثير، وأنا أتذكر منها ذاك المسلسل الذي أضحكني صغيرا وتابعت كل حلقاته: "هو وهي” مع الممثل أحمد زكي رحمه الله. كلاهما أضحكاني كثيرا. وأذكر من سعاد حسني والدها الخطاط الكبير محمد حسني البابا، وهو أستاذ ومعلم الخطاط المصري “حمدي” الذي ابتكر وخط شعار قناة الجزيرة بالحرف العربي. كلهم أفضى إلى ربه بما عمل، رحمهم جميعا.